الاثنين، أبريل ٢٤، ٢٠٠٦

إعلان وفاة الشعب إكلينيكيا

الخبر: مجلس الشعب يرفض تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في استجوابات المبيدات المسرطنة والأغذية الفاسدة

المكان: جريدة الأهرام – الصفحة الأولي – 19 أبريل

لم تكن مفاجأتي من الخبر ذاته, ولكن من مكانة!

للحظة ظننت أنني أخطأت ومسكت إحدى صحف المعارضة فرفعت عينيي لأتأكد من اسم الصحيفة , فوجدتها هي ..الأهرام .. الجريدة الرسمية!

تخيلت ابتسامة شماتة .. و زفرة انتصار .. و صفعة قاسية على وجه الشعب الغرض منها التأكد من عدم وجود اى ردة فعل ,لتعلن وفاة الشعب إكلينيكيا و استعداده لتقبل كل ما هو آت.

إن الخبر في حد ذاته رغم كونه طامة كبرى , إلا أنة لا يحمل جديدا لقناعاتي الشخصية وتقييمي للدور الحقيقي الذي يلعبه المجلس الموقر في واقعنا المرير. ولكن الصدمة التي ألجمتني, هي كون الخبر في الصفحة الأولى للأهرام بلا أي مواربة أو خجل. وهي صفحة الرسائل الموجهة مباشرة من النظام إلى الشعب للحفظ و الاستيعاب.

لم تكن مفاجأتي الكبرى في أن تأتي النتيجة عكس المقدمات , فتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات , و لجنه الصحة و أحكام القضاء و اعترافات وزير سابق لم و لن تقنع نواب الشعب بأن يقرروا الموافقة على تقصي الحقيقة.

فهو أمر متوقع و تكرار فج لمواقف مشابهة. لم تعد تدهشني قدرة الإنسان المصري على تبرير قراراته وفق هواه و حساباته الشخصية متجردا من كل أمانة وضعت في عنقه أو وكلت إليه.

لم تكن مفاجأتي الكبرى في تغطية صحف المعارضة التي كادت تتجاهل الخبر "اللطمة" ربما إيمانا منها بأن الشعب فقد القدرة على التمييز بين الفساد الذي ينتج عنه غرق عبارة وبين فساد منظم و مركب ينتج عنه تدمير صحة أجيال. الشعب الذي لم تعد لدية إرادة حقيقية و فاعلة للتغيير, وأصبح يتعاط المعارضة ويتلذذ بها كالمخدر , جرعات محسوبة و مواضيع مسلية لا تخرجه من خانة المتلقي ولا تطالبه بأي موقف أو ردة فعل.

كما أنني أعلم جيدا أن صحافة المعارضة ليست فقط رسالة, فهي أيضا "أكل عيش". واقتباسا من الفن المعاصر , أصبح "المعارض عايز كدة", الفتنة الطائفية , معركة القضاة , هروب صاحب العبارة وملفات الفساد –غير المنظم- التي يلقي بها النظام للعاملين بالصحافة , إيمانا منة بحق كل قطاع في أن يجد ما يسد به رمقه ويضمن به دخلة – وهو أيضا من باب التأمين حيث أن أخطر ثورة هي ثورة الجياع.

ولا بأس من بعض الفرقعات الإعلامية و النجاحات الصحفية لكبار صحفيي المعارضة من آن لآخر.

إن المفاجأة الحقيقية التي استوقفتني هي خروج الخبر بهذه الصورة في الأهرام , الأهرام الذي اعتاد علي تجميل الواقع الأليم , وتورية الحقائق المخذية و دفن الأخبار الشائنة بين السطور.

يبدو لي أن فترة العمل الشاق والدءوب لسنوات طويلة في قهر و غسيل مخ الشعب المصري قد انتهت , لم يعد هناك داع للمداهنة و المواربة مع الشعب , فبرغم كونه يتنفس و قلبه ينبض , إلا انه صار فاقدا للوعي و الأهلية, لا يقرأ و لا يفهم و لا يعترض.

و لا بأس من إجراء اختبار للشعب –بفترة كافية قبل المواجهة الكبرى القادمة لا محالة-.

ولقد برع الممتحن في اختيار الاختبار , فصحة المواطن هي مستقبلة , و بالتالي فإن رد فعل الشعب لاختبار "الصحة" هو مؤشر للإجابة على سؤال "المستقبل". وكان الاختبار واضحا وفي الجريدة الرسمية , "ماذا سيكون ردك أيها الشعب الكريم علي رفض نوابك المحترمين البحث عن سبب وحقيقة تسميم غذاءك وغذاء أولادك بمواد فاسدة و مسرطنه؟" , ولم يكن هناك رد.

نجاح ساحق لسياسة غسيل المخ و مغيبات الإدراك ,الآن يمكن المضي قدما في الخطة الموضوعة , لقد تم التيقن من الموت الإكلينيكي للغالبية المؤثرة من الشعب , أما كلاب حراسته فبعضهم سيكتفي بقطع لحم من أجساد فاسدين -فارين- قدامى , والآخرون سيواصلون العواء في الفراغ بدون سند أو شرعية , و سيتم توظيفهم فنيا لاستكمال ديكور الديمقراطية بعد رفع هامش المعارضة المسموح به إلى ما قبل النصف بقليل.