كتب الأستاذ محمود سلطان في المصريون مقال (البرادعي .. والصوفية السياسية) يرى فيه ان “ظاهرة البرادعي شوشرت على رؤى أخرى أكثر موضوعية " داعيا الى البعد عن الرومانسية السياسية و مشيرا إلى طرح للأستاذ ضياء رشوان –منذ عام مضى- عن دور مؤسسات القوة.
وفي ظني ان أنصار التيار الإسلامي يتمنون ان يكونوا هم البديل الوحيد للنظام الحالي , وأخشى انهم يرون في تأييد أي بديل اعتراف ضمني بالفشل. وان صدق هذا الظن فإن الوضع سيبقى على ماهو عليه لعقود ممتدة في مصر. حيث أنهم سيمنعون تأييدهم عن أي مشروع وليد , و سيمنعهم النظام عن الوصول للسلطة بكل الطرق الممكنة.
هذه هي قرائتى لموقف الأستاذ محمود, حيث أني أرى نوع من التجني في افتراض ان الالتفاف حول البرادعي هو سبب عدم الاهتمام بطرح الأستاذ ضياء رشوان!
كما اني لا اجد ما يمنع من تضمين فكر الأستاذ رشوان في طرح البرادعي , الذي لم يتبلور بعد , ومازالت هناك فرصة للجميع لكي يضعوا رؤاهم و مطالبهم في هذا الطرح الجديد.
لذلك كتبت هذا التعليق ردا على مقال الأستاذ سلطان ولكنه أطول من ان ينشر كتعليق , فأرسلت مقتطفات منه علها تجد طريقا للنشر ..
الإسلاميون .. و الواقعية السياسية
دعونا نحدد لب الخلاف مع طرح البرادعي بدون مواربة
الأستاذ الكريم, توجهكم من طرح البرادعي واضح ومفهوم ومحترم. اتضح هذا التوجه من خلال تعاطيك ومعظم كتاب جريدة المصريون من طرح البرادعي.
أتصور ان لب الخلاف -كما يستبين من تعليقات العديد من القراء الكرام- أن الطرح الليبرالي الخالي من المضمون الإسلامي هو أساس موقفكم الرافض لطرح البرادعي. وربما فيما بعد ستصبح النخبة المؤيدة للبرادعي هي نقطة ضعفه حيث يكون من غير المعقول ان يتحد الإسلاميون مع الفنانين والأدباء الذين لا يبدون الإنتباه المطلوب (و أحيانا الإحترام الواجب) لعامل الدين. ومثل هذه الإشكالية تتطلب سنين عديدة من الحوار والتفاعل حتى نستطيع ان نخرج منها بفائز ومهزوم.
لذلك, أرى أن الواقع يفرض على الإسلاميين –كأفراد- مواجهة ذاتية اخلاقية لتحديد موقفهم بين الخيار القائم فعليا (النظام الحالي المحتفظ بدين الإسلام شعارا غير قابل للتفعيل ) والطرح الجديد للبرادعي. أستطيع ان أتفهم ان من حق كل جماعة فكرية ألا تتنازل عن مبادئها و تبذل مافي وسعها لنشر منهجها و ايضاحه للناس , ولكن الموقف الأن لا يطرح سوى خيارين (للأسف) يجب على كل فرد أن يحدد موقفه منهما. وأراك تبذل جهدا في لفت الإنتباه الي الخيارات الأخرى التي هي ربما أفضل من الخيارين الحاليين , ولكني أرى في هذا –لحسن ظني بكم واستبعادا لنظرية المؤامرة- تفتيتا للخيار الوحيد الأخلاقي المطروح حاليا للخروج من المستنقع , و نتيجته المحتومة هي البقاء في ذات المستنقع لعقود مقبلة.
كل الحركات والرموز والجماعات التي ولدت في مصر خلال العقود الماضية لم تستطيع ان تصل إلى (الكتلة الحرجة) من الكثافة الشعبية لإحداث التغيير المأمول و من ثم وضع مصر على المسار الصحيح للرقي والتقدم. هذا التحليل ينطبق على الوفد و كفاية وأبريل وأيمن نور و الوسط والإخوان , مع الإحترام للجميع والإعتذار عن التخاذل في تأيد ونصرة الجميع , ولكن الواقع المرير يجزم بفشل الجميع بسبب خنق الفرصه وافساد المناخ وتخاذل الشعب.
الآن هناك خيار جديد (آخر) ينمو , وربما لديه فرصة (ولو واحد في المليار , مثل سابقيه) في الاستحواذ على الكتلة الحرجة المطلوبة للتغيير, لذا وجب علينا تقسيم السؤال الي سؤالين , رئيسي و فرعي , السؤال الرئيسي هو: أيهما تختار :الوضع الحالي ام (الآخر الجديد)؟
إن كان اختيارك هو (الوضع الحالي) عندئذ لن يوجد سؤال فرعي , و ان كان اختيارك هو (الآخر الجديد )قد يكون هناك سؤال فرعي (إذا صدق البرادعي في طرحه, وضغطت عليه القوى المؤيدة له لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص) :
ما هي توجهاتك (اسلامي , ماركسي , ليبرالي , رأسمالي, أخرى)؟
لذلك , هذه لحظة اختيار أخلاقي جديدة بعثها الله إلينا , وعلينا أن نختار, ونصارح أنفسنا قبل الاختيار , بأن رفض الطرح الأخر (أيا كانت معقولية أو مشروعية الأسباب ) هي اختيار ضمني وفعلي بالوضع الحالي حتى و إن أعلنا عكس ذلك.