إنها المرة الأولى التي أجدني فيها أجرؤ على أن يكون لي رأيا مختلف لما قرأته في مقال للأستاذ فهمي هويدي. فهو واحد من قلائل أتعاطي مقالاتهم كجرعات تعليمية وأحيانا كثيرة كنت أجدها أكثر تركيزا من قدرتي على الاستيعاب من المرة الأولى. ربما لقوة اللغة التي يستخدمها, وتعدد المراجع و الأسانيد التي لم أسمع بها من قبل. أحيانا كثيرة أجدة يباغتني بالفكرة التي طالما آمنت بها وعجزت عن التعبير عنها بتلك الفصاحة فيزداد إعجابي و انبهاري. كتاباته تمثل لي كيانا ضخما أشعر أمامه بضعف شخصيتي الفكرية, وأعجز بعد قراءة مقاله عن استخلاص موقف أو رأي يختلف ولو اختلافا بسيطا عن "التطابق التام" مع كل ما كتب.
اليوم قرأت له مقال في جريدة الشرق الأوسط (http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=351942&issue=9962)
يستنكر فيها مبادرة بعض الدعاة و المشايخ المسلمين بعقد مؤتمر في الدانمرك بخصوص موضوع الكاريكاتير المسيْ للرسول (ص).
جاء هذا المقال ليدفعني مجددا إلى الشك في جدوى أن يلعب الدين في عصرنا هذا دورا في إدارة الدولة , ويشجعني على رفض استقبال التيار الديني –ممثلا في هذا الجيل- كبديل للسلطة . فأنا ما زلت حتى هذه اللحظة حائرا بين الرفض التام بأن يزج بالدين طرفا في العملية السياسية , و بين أن نتيح له فرصة كاملة إذا ما اختاره الشعب بشكل ديمقراطي. لم أصل بعد إلى رأي قاطع.
كنت أرى في أشخاص مثل الأستاذ فهمي هويدي و الدكتور عصام العريان و بعض أساتذة الجامعات القدرة على تجسيد صورة مشرقة لدولة ناجحة و متقدمة تقودها حكومة ذات رؤية إسلامية. ولكنني أشعر بضعف تأثير هذه النماذج في الفكر العام لهذا التيار , بل و أتنبأ لهم بمصير محمد نجيب إذا ما قدر لتيارهم بالنجاح , و أصروا هم على الإصلاح كما يروه و كما بشروا به.
ولكن هذا المقال للأستاذ فهمي هويدي أعادني خطوة للوراء. إن فكرة "الخروج عن الصف" تبدو مفزعه حينما تستخدم لتوصيف مبادرة بعض الأشخاص لعقد مؤتمر لغرض ما مع طرف ما. وهي تذكرني بمقوله "قله مندسة" التي أصبحنا نتندر بها على سذاجة نظام دأب على استهلاكها فترات طويلة لتوصيف كل من له رأى مخالف لرأي النظام.
إن هذا الموقف الحاد من المبادرة جعلني أتساءل عن قدرة أي نظام قائم على عقيدة دينية على أن يسمح بالاختلاف في الرأي (بعيدا عن ثوابت العقيدة) و يتفهم حق المختلفين في أن يتصرفوا وفق هذا الاختلاف.
إن احتكار حق و شكل رد الفعل فقط لفئة محدودة , في موضوع يمس كل مسلم بشكل عام و خاص , هو أمر غير مقبول. ومحاوله الظهور في صورة الأمة الواحدة ذات الرأي الواحد و الفعل الواحد هو أمر مخالف للحقيقة و لسنة الله في الخلق. و إن لم يأتي اليوم الذي نستوعب فيه هذا الاختلاف ثم نبدأ في توظيفه بما يتوافق مع تطور الفكر الإنساني ليصبح عمل جماعي خلاق , سنظل قابعين في مقابر الحضارات , ندعو في كل صلاة أن يأتي صلاح الدين أو عمر بن عبد العزيز , و نتصبر بعبقريات فردية ذات أثر محدود ,يجود بها الزمان علينا كل حين.
كم كنت أتمنى أن تخرج الرموز التي احترمها بموقف راقي من تلك المبادرة, موقف يضرب مثلا في احترام حق الاختلاف وتشجيعه على أساس أنة من حتميات التطور في المجتمعات المتحضرة. كم كنت أتمنى أن أرى عرضا تحليليا لمميزات وعيوب كل اتجاه والاعتراف أننا أمام إحدى الحالات التي ليس فيها خطأ أو صواب قاطع وأنة من حق كل فكرة تجد من يمثلها أن تخرج إلى النور ويتحمل أنصارها كل النتائج ايجابية كانت أو سلبية.
أتصور أن في حال استفادت الحكومة الدانمركية من هذه المبادرة بقلب الموقف لصالحها (وهو ما يخشاه الأستاذ فهمي) , فإن السبب في ذلك سيرجع فقط الى موقف المسلمين المستنكرين لها , ورد فعلهم تجاهها.
لقد شققنا صفنا بأنفسنا حينما استنكرنا على فئة من المسلمين أن تسلك مسلكا لا توافقه الفئة أخرى ( التي هي ربما أكثر خبرة و أغزر علما). فبدونا أمام العالم كفئتين أحدهما لا ترضى عن الأخرى. أعتقد أن رد فعل أي شخص لا يعرف شيئا عن الإسلام بعد أن يطلع على تفاصيل هذا الموقف ستزداد حيرته أمام هؤلاء الناس الذين لا يسمحون بأبسط صور الاختلاف فيما بينهم. اختلافهم خلاف , و خلافهم فتنة , إن اختلفوا في أمر الحكم فهي الفتنة الكبرى , و إن اختلفوا حول عقد مؤتمر فهي فتنة صغرى. (وهو سلوك المسلمين في أزمنه وأماكن كثيرة , الذي اعتقد انه معاكس تماما لجوهر الإسلام).
اليوم قرأت له مقال في جريدة الشرق الأوسط (http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=351942&issue=9962)
يستنكر فيها مبادرة بعض الدعاة و المشايخ المسلمين بعقد مؤتمر في الدانمرك بخصوص موضوع الكاريكاتير المسيْ للرسول (ص).
جاء هذا المقال ليدفعني مجددا إلى الشك في جدوى أن يلعب الدين في عصرنا هذا دورا في إدارة الدولة , ويشجعني على رفض استقبال التيار الديني –ممثلا في هذا الجيل- كبديل للسلطة . فأنا ما زلت حتى هذه اللحظة حائرا بين الرفض التام بأن يزج بالدين طرفا في العملية السياسية , و بين أن نتيح له فرصة كاملة إذا ما اختاره الشعب بشكل ديمقراطي. لم أصل بعد إلى رأي قاطع.
كنت أرى في أشخاص مثل الأستاذ فهمي هويدي و الدكتور عصام العريان و بعض أساتذة الجامعات القدرة على تجسيد صورة مشرقة لدولة ناجحة و متقدمة تقودها حكومة ذات رؤية إسلامية. ولكنني أشعر بضعف تأثير هذه النماذج في الفكر العام لهذا التيار , بل و أتنبأ لهم بمصير محمد نجيب إذا ما قدر لتيارهم بالنجاح , و أصروا هم على الإصلاح كما يروه و كما بشروا به.
ولكن هذا المقال للأستاذ فهمي هويدي أعادني خطوة للوراء. إن فكرة "الخروج عن الصف" تبدو مفزعه حينما تستخدم لتوصيف مبادرة بعض الأشخاص لعقد مؤتمر لغرض ما مع طرف ما. وهي تذكرني بمقوله "قله مندسة" التي أصبحنا نتندر بها على سذاجة نظام دأب على استهلاكها فترات طويلة لتوصيف كل من له رأى مخالف لرأي النظام.
إن هذا الموقف الحاد من المبادرة جعلني أتساءل عن قدرة أي نظام قائم على عقيدة دينية على أن يسمح بالاختلاف في الرأي (بعيدا عن ثوابت العقيدة) و يتفهم حق المختلفين في أن يتصرفوا وفق هذا الاختلاف.
إن احتكار حق و شكل رد الفعل فقط لفئة محدودة , في موضوع يمس كل مسلم بشكل عام و خاص , هو أمر غير مقبول. ومحاوله الظهور في صورة الأمة الواحدة ذات الرأي الواحد و الفعل الواحد هو أمر مخالف للحقيقة و لسنة الله في الخلق. و إن لم يأتي اليوم الذي نستوعب فيه هذا الاختلاف ثم نبدأ في توظيفه بما يتوافق مع تطور الفكر الإنساني ليصبح عمل جماعي خلاق , سنظل قابعين في مقابر الحضارات , ندعو في كل صلاة أن يأتي صلاح الدين أو عمر بن عبد العزيز , و نتصبر بعبقريات فردية ذات أثر محدود ,يجود بها الزمان علينا كل حين.
كم كنت أتمنى أن تخرج الرموز التي احترمها بموقف راقي من تلك المبادرة, موقف يضرب مثلا في احترام حق الاختلاف وتشجيعه على أساس أنة من حتميات التطور في المجتمعات المتحضرة. كم كنت أتمنى أن أرى عرضا تحليليا لمميزات وعيوب كل اتجاه والاعتراف أننا أمام إحدى الحالات التي ليس فيها خطأ أو صواب قاطع وأنة من حق كل فكرة تجد من يمثلها أن تخرج إلى النور ويتحمل أنصارها كل النتائج ايجابية كانت أو سلبية.
أتصور أن في حال استفادت الحكومة الدانمركية من هذه المبادرة بقلب الموقف لصالحها (وهو ما يخشاه الأستاذ فهمي) , فإن السبب في ذلك سيرجع فقط الى موقف المسلمين المستنكرين لها , ورد فعلهم تجاهها.
لقد شققنا صفنا بأنفسنا حينما استنكرنا على فئة من المسلمين أن تسلك مسلكا لا توافقه الفئة أخرى ( التي هي ربما أكثر خبرة و أغزر علما). فبدونا أمام العالم كفئتين أحدهما لا ترضى عن الأخرى. أعتقد أن رد فعل أي شخص لا يعرف شيئا عن الإسلام بعد أن يطلع على تفاصيل هذا الموقف ستزداد حيرته أمام هؤلاء الناس الذين لا يسمحون بأبسط صور الاختلاف فيما بينهم. اختلافهم خلاف , و خلافهم فتنة , إن اختلفوا في أمر الحكم فهي الفتنة الكبرى , و إن اختلفوا حول عقد مؤتمر فهي فتنة صغرى. (وهو سلوك المسلمين في أزمنه وأماكن كثيرة , الذي اعتقد انه معاكس تماما لجوهر الإسلام).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق