الأحد، مايو ٢١، ٢٠٠٦

النظام يضرب النخبة , والشعب هو الأدوات

لا يوجد وقت أفضل من الآن

إذا كان هذا هو رأي خبراء الأمن القومي الإيرانيين في مسألة حصولهم على التقنية النووية رغم أنف أمريكا , ففي واقعنا المصري أتصور أنها نفس النتيجة التي يتوصل لها الآن كل من له مطلب أو مصلحة لدى النظام المصري.

وبرغم التشابه بين مشهدي الصراع الإيراني الأمريكي والصراع بين النخب و الحركات و الكيانات المصرية ضد النظام المصري , إلا أن المشهد المصري يحمل قدرا من الاختلاف بين حال نظامه وحال أمريكا, رغم تشابه موقف النخب المصرية ذات المطالب مع الموقف الإيراني.

فإن كانت أمريكا قد وصلت إلى ذلك الوضع الذي أغرى الإيرانيين بالتحدي كنتيجة للاندفاع بالتورط الصريح في الشرق الأوسط وليس من وراء حجاب (كما فعل بوش الأب -الداهية- حين فاز بمغانم حرب الكويت دون أي خسائر تذكر ). بينما تهور بوش الابن بالمواجهة الصريحة مما جعله لا يضع حساب يوم كهذا , حينما وضع قواته تحت مخلب القط الإيراني , الذي انتهز الفرصة التي قد لا يجود القدر بمثلها على المدى القريب.

ولكنها تظل في النهاية ثغرة الهجوم الكاسح في مقابل مكاسب إستراتيجية متعددة حققتنها الإدارة الأمريكية. إنها ضريبة الرفاهية التي ستدفعها أمريكا مقابل ركوع العالم العربي تحت قدميها.


بينما يقف النظام المصري موقف مشابه و لكن لأسباب أخرى , أولها "الحاجة" إلي تمرير التغيير المحتوم للسلطة في هدوء و دون مشاكل , مما يستلزم تأييد النخب أو تحييدها على الأقل. وهو ما سيدفع النظام لتقديم تنازلات و عقد صفقات مع بعض الكيانات التي قد تقف عائقا أمام التغيير المنظور. وهكذا تستنج نخب المجتمع أنه
لا يوجد وقت أفضل من الآن للمساومة وتحقيق بعض المكاسب.

أما السبب الثاني فهو ضعف ووهن النظام المصري نتيجة غياب أي خصم قوي على الساحة و لأمد طويل.و كما هو معلوم بالفطرة أن قوتك تزداد تدريجيا و بمرور الزمن حسب قوة خصومك. وبذلك أضر النظام المصري نفسه حينما قرر خنق أي منافسة حقيقية و تحويل أي متحدي إما إلى مسخ أو جثه هامدة , و بمرور الزمن أهمل النظام تطوير نفسه و قدراته حتى وصل إلى حاله من الوهن تغري أي تمرد طفولي غير منظم من أي فئة شعبية أو نخبوية بإزعاجه بل و إرعابه فيبادر بالعنف كمن يدافع عن نفسه أو يحافظ على هيبته خشية أن تتولد عن إحدى هذه الغضبات شرارة تمتد إلى الشعب فيفيق. وإن كنت أرى يائسا أن النخب نامت مستمتعة بالعسل, والشعب ميت إكلينيكيا, فكيف يوقظ الموتى نيام؟

و سبب اليأس هو اعتقادي انه برغم الأخطاء والتقصير في نواحي شتى إلا أن النظام كان من الذكاء والحصافة بحيث لم يرتكب الخطأ القاتل الذي قد يهدد حياته , ألا و هو "استعداء و استفزاز عامه الشعب" , و هو الخطأ الذي أدرك النظام مدى خطورته وعمل جاهدا على تجنبه. فإن كان استعداء وتحدي بعض النخب أو الجماعات من آن لآخر يولد صراعا , إلا أنه يظل صراعا خاصا. تنقسم عليه أغلبية الشعب بين مؤيد و غير مهتم , وهو بالتالي لا ينذر بأي خطر على الحياة .. ربما مؤلم و لكنه غير قاتل.

يدرك النظام طبيعة و نفسية الشعب المصري جيدا و يحسن التعامل معها إلى أقصى درجة .. يجيد مخاطبتها باللغة التي تفهمها و يقول لها دائما ما تود سماعه .. قادر على العزف على أوتار الشعب العاطفية حينما يلزم .. متجنبا استثارته فيما يتعلق بحياته اليومية , مدركا أنة يمكنه تحقيق كل ما يريد بهدوء ودون مواجهه مباشرة أو تحدي صارخ (زيادة الأسعار تتم في سرية وقد تستوجب الإنكار لتخفيف الصدمة و تفتيت الثورة , تكرار الحديث عن محدود الدخل و الدعم وتأكيد المجانيات .. الخ )

كذلك نجح النظام في تفتيت القلة الواعية من الشعب إلى فئات صغيرة العدد و بالتالي محدودة التأثير , كل فئة تجمعها صفات متفردة بحيث تفصلها عن الفئات الأخرى اختلافات جذرية تمنعهم من تشكيل قوة مؤثرة إذا ما فكروا في الإتحاد.

وبملاحظة أن العامل الوحيد الذي ربما ينجح في تجميع أكبر عدد ممكن من الشعب في فئة كبيره و ضخمة هو عامل الدين (في ظل غياب الوعي وضغط الاحتياجات يجد الكثيرون في الدين ملاذا), وجب على النظام منع قيام أي شرعية لهذا العامل لأنة قد يشكل غالبية خطيرة يصعب السيطرة عليها. و كذلك الحال مع النقابات كثيرة العدد مثل المهندسين التي تضم عددا غفيرا يؤدي إلى ثقل قد يكون مصدرا للإزعاج. أما باقي النخب (أو الأحزاب) التي سمح لها بالعمل في شرعية فهي إما موجهة أو في حدود الكثافة الآمنة.

عودة إلى النخب , لا أدرى لماذا لا أستطيع أن أتعاطف كليا مع النخب بصورتها الحالية في المجتمع, عقلي يؤيد معظم مطالبهم ولكني لا أجد في نفسي الرغبة في مساندتهم .. ربما أشعر نحوهم بالغيرة لتعدد الامتيازات التي يحصلون عليها .. بل أن تواجدهم يشعرني بأنني أقل شأنا منهم .. وحضورهم الطاغي في المجتمع يذكرني باحتياجي لأن أحمل كرنية مثلهم أو يكون لي قريبا منهم ينتمي لأي مكان أو جهاز.. شرطة , نيابة , قضاء , صحافة , فن , رياضة لا يهم .. المهم أن يكون ذو حيثية.

ربما أسرح بخيالي لأحلم بيوم لا تجور فيه حقوق الفئات الخاصة على حقوق المواطنة .. حينما تكون الجنسية المصرية هي مصدر الامتيازات و ليس الانتماء إلى جهاز أو نقابة أو حزب.

ستظل امتيازات النخب تقف عائقا بينهم وبين المواطن العادي المقهور,الذي لا يذكر لهم يوما أنهم ناصروه أو وقفوا في صفة .. ولكنة يتذكر حرصهم الدائم على حقوقهم و حيثيتهم و امتيازاتهم و قوانينهم الخاصة و نواديهم ومصايفهم و بادجات سياراتهم وأولية أبنائهم في الوظائف .. لا يتذكر إلا رغبتهم في الانفصال عنه و ربما الاشمئزاز منه .. لا يتذكر لهم وقفة نزيهة مع النفس يعلنوا فيها رفضهم أن يستحل أبنائهم فرص من هم أكثر تفوقا منهم.

يتملكني اليأس بين نخب براجماتية لا يعنيها إلا توفيق وتحسين أوضاعها من ناحية , ونظام خبير في فهم نفوس البشر و احتياجاتهم و صار مدرب على ملاعبتهم بما يضمن له صمتهم و سلامته. سيواصل النظام سياسة الحلول الوسط (التي تهدئ النفوس) كما حدث مع قانون الطوارئ , و سيتجنب المواجهات المباشرة كما فعل في "انتخابات المحليات" ,و سيحافظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف , سيوافق على جزء من مطالب النخب المختلفة (قضاة , صحفيين , مهندسين , جمعيات , حركات , منظمات..) كل على قدر قوته و تأثيره, وذلك في مقابل أن تهدأ تلك النخب و توافق على تمرير التغيير المنتظر .. و قد يمنح الإخوان مكسبا ما في وقت ما, سيقبلونه في مقابل غض الطرف و عدم التصعيد.

و سيظل الشعب قابعا في مكانه في جمود , لا يعي من أمره شيئا .. يلعن الظروف .. و يحقد على النخب .. منكب على ملذاته أو غارق في مسؤولياته .. يلعب دور الحاضر الغائب في المشهد الشهير للضرب بالحذاء .. فبينما كان الضارب النظام .. وكان المضروب النخب و أنصارهم .. كان الشعب مشاركا بالأدوات .. فقط الأدوات .. إما مجندين مساكين يمثلون غالبية أبناء الشعب مسلوب الفكر و الإرادة .. أو بالأحذية التي صنعت من جلود باقي أبناء الشعب, الذين يزحفون يوميا وراء لقمة العيش. ومع ذلك أعود فأقول "لا تلومن إلا نفسك".

ليست هناك تعليقات: