الثلاثاء، يونيو ٢٧، ٢٠٠٦

عتاب لإيلاف على مقال "رسالة مفتوحة الى بيل جيتس.."

كتبت هذا التعليق لإيلاف في الرد على مقال " رسالة مفتوحة إلى سيادة بيل غيتس وزوجته طلباً للمساعدة " بقلم الأستاذ أشرف عبدالقادر
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/6/158657.htm


أعتب على إيلاف التي سمحت بنشر مثل هذا المقال في مكان يتوقع فيه القارئ مضمون مختلف .. ربما كان من الأنسب أن ينشر كتعليق على مقال الأستاذ العفيف الأخضر.
أما أن يستخدم الأستاذ أشرف مكانة و مكانته في إيلاف لالتماس المساعدة الصريحة فهو تصرف لا يليق , و ان كنت لا أنكر عليه حقه في طلب المساعدة , لكن ما ساءني هو أن الأستاذ أشرف لم ينتبه لوقع كلماته على نفوس من هم أتعس منه حالا و لم يجدوا من يساعدهم ولو تسعه أيام , من اضطروا قسرا لترك تعليمهم الجامعي أو ما قبل الجامعي من أجل توفير ضرورات الحياة , من يحلمون بوظيفة أو سكن مثل ذلك الذي لا يستطيع الأستاذ أشرف احتماله , و هم للأسف كثر في بلادنا العربية. و بكل أسف قد يجد الأستاذ أشرف المساعدة بعد نشر مثل هذا الرجاء, بينما يظل المحتاج الحقيقي في طي النسيان.
يا أستاذ أشرف لقد ذقت يوما حلاوة الزواج و نعمه الأولاد, و هو حق مشروع يعجز عنه ملايين الشباب في وطننا العربي. وتعيش آمنا في بلاد النور و الجمال , وهو الحلم الذي يدفع آلاف الشباب للمخاطرة بحياتهم كل عام من اجل التسلل إلى مثل تلك البلاد ليحيا بلا شرعية و يسكن الحدائق العامة وذلك بعد أن انسدت بهم سبل الحياة الأساسية في أوطانهم.
لا أنكر عليك حقك يا أستاذ أشرف في الطموح إلى ما هو أفضل لك ولأسرتك , ولكن استخدام موقعك في إيلاف , وقلمك في مدح من يتطوع بمساعدتك أو تقريع من يتقاعس عنها هو تصرف اربأ بك عن فعله , وعن إيلاف بالمشاركة فيه.
أتوقع لك أن تجد الكثيرين من الأثرياء يحلمون أن يروا أسمائهم مقرونة بالمدح على صفحات إيلاف , ومنهم من سيداعبه خيالة أن يثبت لنفسه وللغير أنه أفضل من بيل جيتس فيبادر بأن يقدم إليك ما لم ولن يقدمه لك بيل جيتس.

وان كنت أود أن يحمل هذا التعليق جزءا ايجابيا , فسأشير الى فكرتين أظنهما يستحقان المشاركة:
الأولى هي أهمية وجود المؤسسات لتنظيم العمل الخيري , بما يضمن إجراء بحوث موضوعية و أمينه من أجل تحديد من هم أولى بالمساعدة. وهو فارق جوهري بين نظام "العطايا والهبات التي تمنح على موائد الملوك و الأثرياء" وهو النظام الذي ما زال سائدا في عالمنا العربي وتختلط فيه النوايا بالحسابات الشخصية , مقابل نظام المؤسسات "مثل مؤسسه بيل جيتس" والتي تحتاج إلى اداره قويه و سليمة النية تقيم عدلا في الاختيار و شفافية في التوزيع. الثانية هي حقا غياب الاهتمام العربي الكافي بتقديم المنح الدراسية لشباب الوطن المتفوقين. ففي معرض البحث عن ما هو متاح للشباب العربي في هذا الصدد, نجده اقل بكثير مما يمنحه أثرياء العالم لأوطانهم. نعم توجد مؤسسات عديدة تقدم منح موجهة لأبناء العالم الثالث , إفريقيا , المرأة , ولكن أيضا تجد العديد من الأثرياء في العالم يقدمون منحا سنوية لعدد من أبناء أوطانهم المتفوقين و قل ما تجد مثل هذا النموذج في عالمنا العربي رغم كثره أثرياؤه و شده احتياجه للتعليم العالي. سعدت يوما حين قرأت عن المنحة التي تقدم سنويا باسم "جاك ناصر" والتي تشترط في المتقدم الالتزام بالعمل لصالح أو لخدمة الوطن العربي . وفي هذا السياق أيضا اعتقد انه يجب أن يذكر اسم الراحل رفيق الحريري بكل تقدير.

الأحد، مايو ٢١، ٢٠٠٦

النظام يضرب النخبة , والشعب هو الأدوات

لا يوجد وقت أفضل من الآن

إذا كان هذا هو رأي خبراء الأمن القومي الإيرانيين في مسألة حصولهم على التقنية النووية رغم أنف أمريكا , ففي واقعنا المصري أتصور أنها نفس النتيجة التي يتوصل لها الآن كل من له مطلب أو مصلحة لدى النظام المصري.

وبرغم التشابه بين مشهدي الصراع الإيراني الأمريكي والصراع بين النخب و الحركات و الكيانات المصرية ضد النظام المصري , إلا أن المشهد المصري يحمل قدرا من الاختلاف بين حال نظامه وحال أمريكا, رغم تشابه موقف النخب المصرية ذات المطالب مع الموقف الإيراني.

فإن كانت أمريكا قد وصلت إلى ذلك الوضع الذي أغرى الإيرانيين بالتحدي كنتيجة للاندفاع بالتورط الصريح في الشرق الأوسط وليس من وراء حجاب (كما فعل بوش الأب -الداهية- حين فاز بمغانم حرب الكويت دون أي خسائر تذكر ). بينما تهور بوش الابن بالمواجهة الصريحة مما جعله لا يضع حساب يوم كهذا , حينما وضع قواته تحت مخلب القط الإيراني , الذي انتهز الفرصة التي قد لا يجود القدر بمثلها على المدى القريب.

ولكنها تظل في النهاية ثغرة الهجوم الكاسح في مقابل مكاسب إستراتيجية متعددة حققتنها الإدارة الأمريكية. إنها ضريبة الرفاهية التي ستدفعها أمريكا مقابل ركوع العالم العربي تحت قدميها.


بينما يقف النظام المصري موقف مشابه و لكن لأسباب أخرى , أولها "الحاجة" إلي تمرير التغيير المحتوم للسلطة في هدوء و دون مشاكل , مما يستلزم تأييد النخب أو تحييدها على الأقل. وهو ما سيدفع النظام لتقديم تنازلات و عقد صفقات مع بعض الكيانات التي قد تقف عائقا أمام التغيير المنظور. وهكذا تستنج نخب المجتمع أنه
لا يوجد وقت أفضل من الآن للمساومة وتحقيق بعض المكاسب.

أما السبب الثاني فهو ضعف ووهن النظام المصري نتيجة غياب أي خصم قوي على الساحة و لأمد طويل.و كما هو معلوم بالفطرة أن قوتك تزداد تدريجيا و بمرور الزمن حسب قوة خصومك. وبذلك أضر النظام المصري نفسه حينما قرر خنق أي منافسة حقيقية و تحويل أي متحدي إما إلى مسخ أو جثه هامدة , و بمرور الزمن أهمل النظام تطوير نفسه و قدراته حتى وصل إلى حاله من الوهن تغري أي تمرد طفولي غير منظم من أي فئة شعبية أو نخبوية بإزعاجه بل و إرعابه فيبادر بالعنف كمن يدافع عن نفسه أو يحافظ على هيبته خشية أن تتولد عن إحدى هذه الغضبات شرارة تمتد إلى الشعب فيفيق. وإن كنت أرى يائسا أن النخب نامت مستمتعة بالعسل, والشعب ميت إكلينيكيا, فكيف يوقظ الموتى نيام؟

و سبب اليأس هو اعتقادي انه برغم الأخطاء والتقصير في نواحي شتى إلا أن النظام كان من الذكاء والحصافة بحيث لم يرتكب الخطأ القاتل الذي قد يهدد حياته , ألا و هو "استعداء و استفزاز عامه الشعب" , و هو الخطأ الذي أدرك النظام مدى خطورته وعمل جاهدا على تجنبه. فإن كان استعداء وتحدي بعض النخب أو الجماعات من آن لآخر يولد صراعا , إلا أنه يظل صراعا خاصا. تنقسم عليه أغلبية الشعب بين مؤيد و غير مهتم , وهو بالتالي لا ينذر بأي خطر على الحياة .. ربما مؤلم و لكنه غير قاتل.

يدرك النظام طبيعة و نفسية الشعب المصري جيدا و يحسن التعامل معها إلى أقصى درجة .. يجيد مخاطبتها باللغة التي تفهمها و يقول لها دائما ما تود سماعه .. قادر على العزف على أوتار الشعب العاطفية حينما يلزم .. متجنبا استثارته فيما يتعلق بحياته اليومية , مدركا أنة يمكنه تحقيق كل ما يريد بهدوء ودون مواجهه مباشرة أو تحدي صارخ (زيادة الأسعار تتم في سرية وقد تستوجب الإنكار لتخفيف الصدمة و تفتيت الثورة , تكرار الحديث عن محدود الدخل و الدعم وتأكيد المجانيات .. الخ )

كذلك نجح النظام في تفتيت القلة الواعية من الشعب إلى فئات صغيرة العدد و بالتالي محدودة التأثير , كل فئة تجمعها صفات متفردة بحيث تفصلها عن الفئات الأخرى اختلافات جذرية تمنعهم من تشكيل قوة مؤثرة إذا ما فكروا في الإتحاد.

وبملاحظة أن العامل الوحيد الذي ربما ينجح في تجميع أكبر عدد ممكن من الشعب في فئة كبيره و ضخمة هو عامل الدين (في ظل غياب الوعي وضغط الاحتياجات يجد الكثيرون في الدين ملاذا), وجب على النظام منع قيام أي شرعية لهذا العامل لأنة قد يشكل غالبية خطيرة يصعب السيطرة عليها. و كذلك الحال مع النقابات كثيرة العدد مثل المهندسين التي تضم عددا غفيرا يؤدي إلى ثقل قد يكون مصدرا للإزعاج. أما باقي النخب (أو الأحزاب) التي سمح لها بالعمل في شرعية فهي إما موجهة أو في حدود الكثافة الآمنة.

عودة إلى النخب , لا أدرى لماذا لا أستطيع أن أتعاطف كليا مع النخب بصورتها الحالية في المجتمع, عقلي يؤيد معظم مطالبهم ولكني لا أجد في نفسي الرغبة في مساندتهم .. ربما أشعر نحوهم بالغيرة لتعدد الامتيازات التي يحصلون عليها .. بل أن تواجدهم يشعرني بأنني أقل شأنا منهم .. وحضورهم الطاغي في المجتمع يذكرني باحتياجي لأن أحمل كرنية مثلهم أو يكون لي قريبا منهم ينتمي لأي مكان أو جهاز.. شرطة , نيابة , قضاء , صحافة , فن , رياضة لا يهم .. المهم أن يكون ذو حيثية.

ربما أسرح بخيالي لأحلم بيوم لا تجور فيه حقوق الفئات الخاصة على حقوق المواطنة .. حينما تكون الجنسية المصرية هي مصدر الامتيازات و ليس الانتماء إلى جهاز أو نقابة أو حزب.

ستظل امتيازات النخب تقف عائقا بينهم وبين المواطن العادي المقهور,الذي لا يذكر لهم يوما أنهم ناصروه أو وقفوا في صفة .. ولكنة يتذكر حرصهم الدائم على حقوقهم و حيثيتهم و امتيازاتهم و قوانينهم الخاصة و نواديهم ومصايفهم و بادجات سياراتهم وأولية أبنائهم في الوظائف .. لا يتذكر إلا رغبتهم في الانفصال عنه و ربما الاشمئزاز منه .. لا يتذكر لهم وقفة نزيهة مع النفس يعلنوا فيها رفضهم أن يستحل أبنائهم فرص من هم أكثر تفوقا منهم.

يتملكني اليأس بين نخب براجماتية لا يعنيها إلا توفيق وتحسين أوضاعها من ناحية , ونظام خبير في فهم نفوس البشر و احتياجاتهم و صار مدرب على ملاعبتهم بما يضمن له صمتهم و سلامته. سيواصل النظام سياسة الحلول الوسط (التي تهدئ النفوس) كما حدث مع قانون الطوارئ , و سيتجنب المواجهات المباشرة كما فعل في "انتخابات المحليات" ,و سيحافظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف , سيوافق على جزء من مطالب النخب المختلفة (قضاة , صحفيين , مهندسين , جمعيات , حركات , منظمات..) كل على قدر قوته و تأثيره, وذلك في مقابل أن تهدأ تلك النخب و توافق على تمرير التغيير المنتظر .. و قد يمنح الإخوان مكسبا ما في وقت ما, سيقبلونه في مقابل غض الطرف و عدم التصعيد.

و سيظل الشعب قابعا في مكانه في جمود , لا يعي من أمره شيئا .. يلعن الظروف .. و يحقد على النخب .. منكب على ملذاته أو غارق في مسؤولياته .. يلعب دور الحاضر الغائب في المشهد الشهير للضرب بالحذاء .. فبينما كان الضارب النظام .. وكان المضروب النخب و أنصارهم .. كان الشعب مشاركا بالأدوات .. فقط الأدوات .. إما مجندين مساكين يمثلون غالبية أبناء الشعب مسلوب الفكر و الإرادة .. أو بالأحذية التي صنعت من جلود باقي أبناء الشعب, الذين يزحفون يوميا وراء لقمة العيش. ومع ذلك أعود فأقول "لا تلومن إلا نفسك".

الاثنين، أبريل ٢٤، ٢٠٠٦

إعلان وفاة الشعب إكلينيكيا

الخبر: مجلس الشعب يرفض تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في استجوابات المبيدات المسرطنة والأغذية الفاسدة

المكان: جريدة الأهرام – الصفحة الأولي – 19 أبريل

لم تكن مفاجأتي من الخبر ذاته, ولكن من مكانة!

للحظة ظننت أنني أخطأت ومسكت إحدى صحف المعارضة فرفعت عينيي لأتأكد من اسم الصحيفة , فوجدتها هي ..الأهرام .. الجريدة الرسمية!

تخيلت ابتسامة شماتة .. و زفرة انتصار .. و صفعة قاسية على وجه الشعب الغرض منها التأكد من عدم وجود اى ردة فعل ,لتعلن وفاة الشعب إكلينيكيا و استعداده لتقبل كل ما هو آت.

إن الخبر في حد ذاته رغم كونه طامة كبرى , إلا أنة لا يحمل جديدا لقناعاتي الشخصية وتقييمي للدور الحقيقي الذي يلعبه المجلس الموقر في واقعنا المرير. ولكن الصدمة التي ألجمتني, هي كون الخبر في الصفحة الأولى للأهرام بلا أي مواربة أو خجل. وهي صفحة الرسائل الموجهة مباشرة من النظام إلى الشعب للحفظ و الاستيعاب.

لم تكن مفاجأتي الكبرى في أن تأتي النتيجة عكس المقدمات , فتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات , و لجنه الصحة و أحكام القضاء و اعترافات وزير سابق لم و لن تقنع نواب الشعب بأن يقرروا الموافقة على تقصي الحقيقة.

فهو أمر متوقع و تكرار فج لمواقف مشابهة. لم تعد تدهشني قدرة الإنسان المصري على تبرير قراراته وفق هواه و حساباته الشخصية متجردا من كل أمانة وضعت في عنقه أو وكلت إليه.

لم تكن مفاجأتي الكبرى في تغطية صحف المعارضة التي كادت تتجاهل الخبر "اللطمة" ربما إيمانا منها بأن الشعب فقد القدرة على التمييز بين الفساد الذي ينتج عنه غرق عبارة وبين فساد منظم و مركب ينتج عنه تدمير صحة أجيال. الشعب الذي لم تعد لدية إرادة حقيقية و فاعلة للتغيير, وأصبح يتعاط المعارضة ويتلذذ بها كالمخدر , جرعات محسوبة و مواضيع مسلية لا تخرجه من خانة المتلقي ولا تطالبه بأي موقف أو ردة فعل.

كما أنني أعلم جيدا أن صحافة المعارضة ليست فقط رسالة, فهي أيضا "أكل عيش". واقتباسا من الفن المعاصر , أصبح "المعارض عايز كدة", الفتنة الطائفية , معركة القضاة , هروب صاحب العبارة وملفات الفساد –غير المنظم- التي يلقي بها النظام للعاملين بالصحافة , إيمانا منة بحق كل قطاع في أن يجد ما يسد به رمقه ويضمن به دخلة – وهو أيضا من باب التأمين حيث أن أخطر ثورة هي ثورة الجياع.

ولا بأس من بعض الفرقعات الإعلامية و النجاحات الصحفية لكبار صحفيي المعارضة من آن لآخر.

إن المفاجأة الحقيقية التي استوقفتني هي خروج الخبر بهذه الصورة في الأهرام , الأهرام الذي اعتاد علي تجميل الواقع الأليم , وتورية الحقائق المخذية و دفن الأخبار الشائنة بين السطور.

يبدو لي أن فترة العمل الشاق والدءوب لسنوات طويلة في قهر و غسيل مخ الشعب المصري قد انتهت , لم يعد هناك داع للمداهنة و المواربة مع الشعب , فبرغم كونه يتنفس و قلبه ينبض , إلا انه صار فاقدا للوعي و الأهلية, لا يقرأ و لا يفهم و لا يعترض.

و لا بأس من إجراء اختبار للشعب –بفترة كافية قبل المواجهة الكبرى القادمة لا محالة-.

ولقد برع الممتحن في اختيار الاختبار , فصحة المواطن هي مستقبلة , و بالتالي فإن رد فعل الشعب لاختبار "الصحة" هو مؤشر للإجابة على سؤال "المستقبل". وكان الاختبار واضحا وفي الجريدة الرسمية , "ماذا سيكون ردك أيها الشعب الكريم علي رفض نوابك المحترمين البحث عن سبب وحقيقة تسميم غذاءك وغذاء أولادك بمواد فاسدة و مسرطنه؟" , ولم يكن هناك رد.

نجاح ساحق لسياسة غسيل المخ و مغيبات الإدراك ,الآن يمكن المضي قدما في الخطة الموضوعة , لقد تم التيقن من الموت الإكلينيكي للغالبية المؤثرة من الشعب , أما كلاب حراسته فبعضهم سيكتفي بقطع لحم من أجساد فاسدين -فارين- قدامى , والآخرون سيواصلون العواء في الفراغ بدون سند أو شرعية , و سيتم توظيفهم فنيا لاستكمال ديكور الديمقراطية بعد رفع هامش المعارضة المسموح به إلى ما قبل النصف بقليل.

الاثنين، مارس ١٣، ٢٠٠٦

"الخروج عن الصف" من "قله مندسة"

إنها المرة الأولى التي أجدني فيها أجرؤ على أن يكون لي رأيا مختلف لما قرأته في مقال للأستاذ فهمي هويدي. فهو واحد من قلائل أتعاطي مقالاتهم كجرعات تعليمية وأحيانا كثيرة كنت أجدها أكثر تركيزا من قدرتي على الاستيعاب من المرة الأولى. ربما لقوة اللغة التي يستخدمها, وتعدد المراجع و الأسانيد التي لم أسمع بها من قبل. أحيانا كثيرة أجدة يباغتني بالفكرة التي طالما آمنت بها وعجزت عن التعبير عنها بتلك الفصاحة فيزداد إعجابي و انبهاري. كتاباته تمثل لي كيانا ضخما أشعر أمامه بضعف شخصيتي الفكرية, وأعجز بعد قراءة مقاله عن استخلاص موقف أو رأي يختلف ولو اختلافا بسيطا عن "التطابق التام" مع كل ما كتب.

اليوم قرأت له مقال في جريدة الشرق الأوسط (
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=351942&issue=9962)
يستنكر فيها مبادرة بعض الدعاة و المشايخ المسلمين بعقد مؤتمر في الدانمرك بخصوص موضوع الكاريكاتير المسيْ للرسول (ص).

جاء هذا المقال ليدفعني مجددا إلى الشك في جدوى أن يلعب الدين في عصرنا هذا دورا في إدارة الدولة , ويشجعني على رفض استقبال التيار الديني –ممثلا في هذا الجيل- كبديل للسلطة . فأنا ما زلت حتى هذه اللحظة حائرا بين الرفض التام بأن يزج بالدين طرفا في العملية السياسية , و بين أن نتيح له فرصة كاملة إذا ما اختاره الشعب بشكل ديمقراطي. لم أصل بعد إلى رأي قاطع.
كنت أرى في أشخاص مثل الأستاذ فهمي هويدي و الدكتور عصام العريان و بعض أساتذة الجامعات القدرة على تجسيد صورة مشرقة لدولة ناجحة و متقدمة تقودها حكومة ذات رؤية إسلامية. ولكنني أشعر بضعف تأثير هذه النماذج في الفكر العام لهذا التيار , بل و أتنبأ لهم بمصير محمد نجيب إذا ما قدر لتيارهم بالنجاح , و أصروا هم على الإصلاح كما يروه و كما بشروا به.
ولكن هذا المقال للأستاذ فهمي هويدي أعادني خطوة للوراء. إن فكرة "الخروج عن الصف" تبدو مفزعه حينما تستخدم لتوصيف مبادرة بعض الأشخاص لعقد مؤتمر لغرض ما مع طرف ما. وهي تذكرني بمقوله "قله مندسة" التي أصبحنا نتندر بها على سذاجة نظام دأب على استهلاكها فترات طويلة لتوصيف كل من له رأى مخالف لرأي النظام.
إن هذا الموقف الحاد من المبادرة جعلني أتساءل عن قدرة أي نظام قائم على عقيدة دينية على أن يسمح بالاختلاف في الرأي (بعيدا عن ثوابت العقيدة) و يتفهم حق المختلفين في أن يتصرفوا وفق هذا الاختلاف.
إن احتكار حق و شكل رد الفعل فقط لفئة محدودة , في موضوع يمس كل مسلم بشكل عام و خاص , هو أمر غير مقبول. ومحاوله الظهور في صورة الأمة الواحدة ذات الرأي الواحد و الفعل الواحد هو أمر مخالف للحقيقة و لسنة الله في الخلق. و إن لم يأتي اليوم الذي نستوعب فيه هذا الاختلاف ثم نبدأ في توظيفه بما يتوافق مع تطور الفكر الإنساني ليصبح عمل جماعي خلاق , سنظل قابعين في مقابر الحضارات , ندعو في كل صلاة أن يأتي صلاح الدين أو عمر بن عبد العزيز , و نتصبر بعبقريات فردية ذات أثر محدود ,يجود بها الزمان علينا كل حين.
كم كنت أتمنى أن تخرج الرموز التي احترمها بموقف راقي من تلك المبادرة, موقف يضرب مثلا في احترام حق الاختلاف وتشجيعه على أساس أنة من حتميات التطور في المجتمعات المتحضرة. كم كنت أتمنى أن أرى عرضا تحليليا لمميزات وعيوب كل اتجاه والاعتراف أننا أمام إحدى الحالات التي ليس فيها خطأ أو صواب قاطع وأنة من حق كل فكرة تجد من يمثلها أن تخرج إلى النور ويتحمل أنصارها كل النتائج ايجابية كانت أو سلبية.
أتصور أن في حال استفادت الحكومة الدانمركية من هذه المبادرة بقلب الموقف لصالحها (وهو ما يخشاه الأستاذ فهمي) , فإن السبب في ذلك سيرجع فقط الى موقف المسلمين المستنكرين لها , ورد فعلهم تجاهها.
لقد شققنا صفنا بأنفسنا حينما استنكرنا على فئة من المسلمين أن تسلك مسلكا لا توافقه الفئة أخرى ( التي هي ربما أكثر خبرة و أغزر علما). فبدونا أمام العالم كفئتين أحدهما لا ترضى عن الأخرى. أعتقد أن رد فعل أي شخص لا يعرف شيئا عن الإسلام بعد أن يطلع على تفاصيل هذا الموقف ستزداد حيرته أمام هؤلاء الناس الذين لا يسمحون بأبسط صور الاختلاف فيما بينهم. اختلافهم خلاف , و خلافهم فتنة , إن اختلفوا في أمر الحكم فهي الفتنة الكبرى , و إن اختلفوا حول عقد مؤتمر فهي فتنة صغرى. (وهو سلوك المسلمين في أزمنه وأماكن كثيرة , الذي اعتقد انه معاكس تماما لجوهر الإسلام).

الأحد، فبراير ٠٥، ٢٠٠٦

الواسطة و التوريث

الواسطة و التوريث وجهان لعملة واحدة, عملة شديدة الرواج داخل المجتمع المصري. و هي عملة بادر الشعب بطرحها ثم طالب الدولة بصكها فأيدتها الدولة بصمت مشين ثم قننتها حتى صار في الدولة مؤسسات تضع بنودا في لوائحها تمنح أولوية لتعيين أبناء العاملين.

وأعتقد ان ذلك خطأ جسيم ارتكبه المجتمع في حق نفسه حينما طالب بمثل هذه اللوائح ظنا أنها ميزة للعاملين, و هو تفكير ساذج و قاصر. خطأ تسترت علية الدولة بمثقفيها و مشرعيها نتج عنه تشوه اجتماعي و سلوكي بين الناس , ضرره أشد عمقا و تأثيرا من ذلك الظلم الذي لحق بأجيال متلاحقة ختمت شهاداتهم بختم رسمي يقول "غير خاضعة لمبدأ تكافؤ الفرص".

ضرر بدأ بالآباء و الأمهات الآخرين الذين لم تمنحهم أماكن عملهم ميزة تعيين أبنائهم ولكن النظام الجديد دون أن يدري حملهم مسؤولية إيجاد فرصة العمل لأبنائهم بأي طريقة أخرى. و حيث أن الجميع لدية أبناء, انتشر في المجتمع مبدأ "الخدمات المتبادلة" واتسع ليشمل الأقارب و المعارف و أصبح أمرا طبيعيا أن يطلب شخص من أحد معارفه تعيين قريب له, "و داين تدان".
و ازدادت الظاهرة انتشارا بتدهور الأحوال الاقتصادية و ندرة فرص العمل و أصبح لزاما علي الشعب الطيب المتدين أن يلبس السلوك المشين لباسا دينيا أخلاقيا, فصار "عمل الخير" و "الأقربون أولى بالمعروف" هو الغطاء الشرعي لهذا السلوك, و تكفل الزمن و مشايخه بطمس حقيقة السلوك المشين (حيث أن خطب الجمعة و دروس المساجد لم تنته بعد من شرح العبادات قبل الدخول في باب المعاملات).

ولا أتصور انه بقي شخص في المجتمع لم يشارك بعد في هذه الرذيلة , إما طالبا لها دون أي شعور باستحياء أو خجل أو مجيبا لها دون أي شعور بذنب أو خطيئة تجاه شخص مجهول سلب منه حقا قبل أن يعرفه ويطالب به. وفي فترة زمنية قصيرة, تحول كل فرد في المجتمع إلى سارق و مسروق في ذات الوقت.

امتد الضرر ليطول نظاما سياسيا جديدا لإدارة شئون الدولة يسمى بالنظام الديمقراطي. نظاما اثبت نجاحا في دول عديدة و يعزى إلية الفضل في نهضة و تقدم أمم كنا قد سبقناها في عهود و أزمان ماضيه.

ولكن للأسف قرأ المجتمع المصري الديمقراطية على أنها حق كل مواطن في عدد اثنين واسطة حكومية ذات نفوذ (واحدة عمال وواحدة فئات), تستطيع أن توظف قريبا أو تمنح ترخيصا, فقط إذا أحسن المواطن الاختيار. و تحت ضغط الحاجة و قلة الوعي وتحييد الدين, يفضل المواطن اختيار صاحب النفوذ, الذي يقدم له خدمة أو مصلحة شخصية و في أحسن الأحوال "خدمة الدائرة". وهذه مأساة كبرى أصعب من التزوير. مأساة نتجاهلها عمدا حين نكتفي بالحديث عن مشكلة المرشح الراشي ولا نتوقف عند مصيبة الناخب المرتشي!

متناسين أن المرشح هو في الأصل ناخب , أب وأخ وخال وعم و جار و زميل بقية الناخبين الذين هم أصل العلة و موطن الداء. هو نتاجا طبيعيا لهم و سلوكه هو مرآه حقيقية لسلوكهم. فتجار المخدرات و الهاربون من التجنيد ورجال الصفقات المشبوهة والقروض هم عناصر طبيعية في صوره تحوي شعبا يعشق الدخان, و شبابا يرفضون التجنيد وان لم يستطيعوا الهروب ثم موظفين و عمالا يحسنون دخولهم إما بالرشوة المباشرة أو بتسول "الحلاوة" و "كل سنة وأنت طيب يا بيه".

إن معيار اختيار المواطن المصري لمن يمثله في أي مجال أصبح إما فاسدا أو مشوها, يعلى المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. وفي حال صعوبة الحصول على منفعة شخصية مباشرة, يلجأ المواطن إلى اختيارا ساذجا سطحيا مدفوعا بعصبية النوع (رجل أو امرأة) أو عصبية عائلية أو دينية.

والمشكلة ازدادت تعقيدا بعد أن أثبت مجتمع "الخدمات المتبادلة" أنه لم يعد قادرا على إفراز أو انتخاب طبيعي لأي عناصر أو وجوه قادرة على النهوض بالأمة. فالساحة مفتوحة فقط للشخص "الخدوم" الذي يستخدم نفوذه في أقسام الشرطة و علاقاته في الحصول على تأشيرات واستثناءات لأبناء دائرته. وهؤلاء في النهاية أشخاص لا يمكن أن تنهض بهم أمة أو يرقى بهم مجتمع.

و لم يتوقف ضرر "الاعتراف و تقنين الواسطة" عند حدود التغيير السلوكي لدى الجيل الأول, بل امتد ليصيب أجيالا جديدة انخرطت في كل أشكال و درجات التعليم وفي داخلها قناعه بأنه إما لا داع للاجتهاد فحقك محفوظ أو لا فائدة من الاجتهاد فهو لن يضيف لك شيئا. المطلوب فقط الشهادة, والنتيجة هي خسارة الجميع , شهادات يحملها خريجين بلا كفاءة, وصنعة لا يتقنها أصحابها, و خدمة مقدمة بشكل سيء بلا حرفية و في أحيان كثيرة بلا اكتراث.

أجيال متلاحقة فقدت قيمه أساسيه من أهم أسباب تقدم الأمم وهي قيمة الاجتهاد.

ألآن وبعد أن باركت الدولة مبادرة الشعب, و تحولت مؤسسات الدولة إلى “Family Business” و تحقق الحلم للجميع وبات كل أب و أم آمنا مطمئنا على مستقبل أولادة. أصبح عرفا أن يرث الأبناء مهن آبائهم في مؤسسات الدولة, بداية من الجيش والشرطة, مرورا بالنيابة و القضاء, وانتهاء بالدبلوماسيين وأساتذة الجامعة. والكل يظن أنه يستحق, فقبل كشوف الهيئة و المقابلات الشخصية والامتحانات الشفوية كانت هناك مذاكرة و شهادات مثل كل الناس.

وعلى مستوى العامة, فهناك آلاف مؤلفة من أبناء هذا الجيل, جالسين على مكاتب في مصالح و هيئات و شركات كان أو لا يزال يعمل بها أحد الوالدين أو معارفهم.

وحين جاء الدور على رئاسة الجمهورية هب الشعب الشريف صاحب المبادئ رافضا و مستنكرا ما قد يحدث. مشددا ومؤكدا على أن التوريث سلوك مشين , متناسيا أو متجاهلا كونه نفس السلوك الذي نمارسه في السر و العلن , و نحن مطمئني النفس قريري العين.

حقا إننا مجتمع من المنافقين, و إذا حدث ما نخشاه فهو أقل مما نستحق.

السبت، يناير ٢٨، ٢٠٠٦

القراءة للجميع والاستيعاب للقليل

سألت أختي بالأمس عن احد كتبي المفقودة, فقالت أنها أعارته لإحدى صديقاتها, وهي تحاول استرجاعه منذ فتره طويلة و لكن بلا فائدة. هي تعتقد أن أيادي كثيرة تبادلته حتى أن اقتفاء أثرة أصبح مستحيلا. والى هنا فإن الأمر لا يكون مستغربا فيما عرف من طبائع و عادات المصريين. ولكن الطريف هو أن موضوع الكتاب كان عن "الأخلاق" !! مما يؤكد أننا نقرأ كثيرا , بل نستعير لكي نقرأ أكثر , و لكننا نادرا ما نستوعب ما قرأنا.